أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

حكاية التاجر مسرور والصندوق العجيب

تاجر بغداد الباحث عن الحظ

في أزقة بغداد العتيقة، حيث تمتزج روائح التوابل بضجيج الأسواق، عاش تاجر يُدعى مسرور بن داود. لم يكن مسرور رجلاً عادياً، فقد وهبه الله مالاً وفيراً وخدماً وحشماً وتجارة تمتد من الهند إلى بلاد الروم. ورغم كل هذه النعم الظاهرة، كان مسرور يشعر بفراغ في قلبه وبأن الحظ يعانده، فكلما لاحت له السعادة، أفلتت من بين يديه.

حكاية التاجر مسرور والصندوق العجيب


لقاء الشيخ والصندوق الغامض

في يومٍ من الأيام، وبينما يتجول مسرور في السوق المزدحم، وقع بصره على شيخ طاعن في السن يجلس بهدوء أمام متجر صغير، وعلى بساطه صندوق عتيق تزينه نقوش غريبة بدت كطلاسم السحرة. دفعه الفضول للاقتراب وسؤال الشيخ عن هذا الصندوق العجيب.

"يا بني، هذا صندوق الأقدار، من يمتلكه تتغير حياته، لكن احذر، فليس كل تغيير محموداً."

أثار كلام الشيخ فضول مسرور أكثر، ورغم شكه بأن الأمر قد يكون مجرد خرافة، شعر برغبة جامحة في امتلاك الصندوق ومعرفة سره. أخرج كيساً من الدنانير الذهبية وقدمه للشيخ قائلاً: "خذ هذا المال وأعطني الصندوق".

"تذكر نصيحتي، لا تتعجل في اختيار أمنيتك، فليس كل ما يلمع ذهباً."

الجني مرجان وأمنية الحظ السعيد

عاد مسرور إلى داره، وفي خلوة مخدعه، فتح الصندوق بحذر، فانبعث منه نور ذهبي بهر بصره وخرج جني ضخم يُدعى مرجان.

"أنا الجني مرجان، عبدك المطيع. أحقق لك أمنية واحدة، فاختر بحكمة."

تذكر مسرور نصيحة الشيخ وتحذير الجني، وبعد ليلة كاملة من التفكير، قرر أن يطلب ما يظنه أساس كل سعادة مفقودة. استدعى الجني مجدداً وقال بثقة:

"أريد أن يكون حظي سعيداً في كل شيء!"

"قد تحققت أمنيتك، لكن احذر، فالسعادة المطلقة ليست كما تظن!"

ثم عاد الجني إلى الصندوق واختفى.

ثمن السعادة المطلقة

في البداية، بدت حياة مسرور وكأنها تحولت إلى جنة. تضاعفت أرباحه، ازدهرت تجارته، فاز في كل رهان، وصار أغنى رجل في بغداد ولقبّه الناس بـ "الرجل ذي الحظ السعيد".

لكن مع مرور الأيام، بدأ مسرور يلاحظ الوجه الآخر لحظه المطلق. ملأ الحسد قلوب التجار، وتخلى عنه أصدقاؤه، وبدأ خدمه يخشونه ويتوجسون منه. حتى الخليفة نفسه بدأ يقلق من قوته الغامضة، وكاد أن يُلقى في السجن لولا تدخل وزير حكيم.

هنا أدرك مسرور الحقيقة المرة: حظه السعيد الذي تمناه قد أصبح لعنة وليس نعمة. جلبت له الثروة الهائلة العزلة والريبة والمتاعب بدلاً من السعادة الحقيقية.

الدرس المستفاد والعودة إلى البساطة

بدأ مسرور يشتاق إلى حياته السابقة البسيطة، وفهم حكمة عظيمة. عاد يبحث عن الشيخ العجوز ليعيد له الصندوق، لكنه لم يجده أبداً.

فهم مسرور الدرس جيداً. تخلى عن ثروته الضخمة التي اكتسبها بفضل الصندوق، ووزعها على المحتاجين، وعاد إلى تجارته القديمة، وعاش حياة أبسط وأكثر هدوءاً. تعلم أن الحكمة أعظم من الثراء، وأن القناعة كنز لا يفنى.

العبرة الخالدة

"ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع". فالسعادة الحقيقية ليست في امتلاك كل شيء، بل في الرضا بما قسمه الله وراحة البال. فكم من غني تعيس، وكم من فقير سعيد.